دور عبد الحليم محمد السياسي


فدوى عبد الرحمن علي طه
استاذة تاريخ السودان الحديث المعاصر
قسم التاريخ- كلية الآداب- جامعة الخرطوم
باديء ذي بدء لم يكن عبد الحليم محمد محترفاً للسياسة أو سياسياً محترفاً ولم يزج بنفسه في معتركاتها بل كان طبيباً وكاتباً وأديباً ومفكراً سخر قلمه لفكره السياسي المتمثل في القومية السودانية والبعد عن الحزبية الضيقة. فهو القائل ان حزبه الأمة السودانية بأسرها ولا يرضى بدون ذلك. 

شارك عبد الحليم محمد في الفكر السياسي وهو إن كان من أنصار الحركة الاستقلالية إلا أنه كان مستقلاً في فكره. وقد دخل السياسة من دائرة الوطنية ورفضها من باب الحزبية وتحددت شخصيته فكان اقرب للمستقلين. وكان من المقربين للسيد عبد الرحمن المهدي بحكم صلات اسرية قديمة وبحكم رعايته للحركة الاستقلالية. فجده الأمير عبد الحليم مساعد أحد امراء المهدية.

وكتاب (موت دنيا) الذي ألفه عبد الحليم محمد بالاشتراك مع محمد احمد محجوب وثيقة مهمة ننفذ من خلالها الى فكر عبد الحليم محمد السياسي. ويشير الكتاب ويتحدث عن أحداث عظيمة في تاريخ البلاد السياسي مثل ثورة عام 1924 وإضراب طلاب كلية غردون عام 1931 ومعاهدة عام 1936 وقيام مؤتمر الخريجين في 1938 عبر حليم في هذا الكتاب عن مواقفه السياسية وهو ورفيق دربه محمد احمد محجوب. كما يوضح فيه أيضاً أن الادب الخالص والفن لا يغنيان كثيرا في بلد يحتاج الى الإصلاح في كل ميادين الحياة ولابد من الخوض في الشئون الاجتماعية والسياسية.
 

ويوضح الكتاب بجلاء أن الوطن هو الأعلى والاغلى في نظر كاتبيه حيث وردت فيه عبارات مثل ( نفضنا أيدينا من الحب إلا حب البلاد) و(لقد شغلتنا مطالب البلاد عن معاودة دنيانا الحبيبة. لقد نعمنا بهواء هذه البلاد وهواها وتشبعنا بحبها فلا غرو إن دعانا كل ذلك لنترك شئون اشخاصنا الفانية في سبيل امتنا الباقية). 

دور عبد الحليم محمد السياسي نصل اليه من نشاطه في جمعيات القراءة والجمعيات الأدبية في الفترة التي تلت عام 1924 وهى الفترة التي لم يكن بها نشاط سياسي. ولا تناقض في هذا القول فقد اصبحت هذه الجمعيات النواة للمجموعات السياسية التي عملت بالسياسة في مؤتمر الخريجين العام عند تكوينه عام 1938 وابرزها جماعة ابي روف وجماعة الفجر التي سيطرت على نشاط المؤتمر والتي تمحور حولها الصراع داخل المؤتمر خلال الاربعينيات.
 

راقب عبد الحليم محمد مراحل ثورة 1924 وسرى شعور قومي في نفسه وبنى من الآمال اعذبها وتطلع الى اسمى الغايات وأنبلها فإذا الآمال تذهب مع الريح واذا بالحركة تقتل في مهدها. يعبر عبد الحليم محمد عن رأيه في السياسة التي انتهجهتها الادارة البريطانية في السودان قبل إحباط ثورة 1924 وهو العام الذي شهد دخوله كلية غردون ويقول ( دخلنا الكلية وقد بدأت سنوات الشدة وكان جدب في جميع النواحي في الناحية المادية كما في الناحية الاجتماعية والسياسية والادبية) ويمضي ليقول ( كان زمناً بغيضاً وكيف أن القائمين بأمر الدراسة في الكلية انتهجوا نهجاً جديداً بعد حوادث سنة 1924.
 

سياسة ذلك العهد التي انتحت منحى غريباً يباعد الشقة بين المتعلمين والقائمين بالأمر فينا ويقربها بينهم وبين رجال العشائر ورؤساء القبائل). وقد مثلت تلك الاحداث بداية عهد جديد لجيل جديد يخرج للحياة العامة بتفكير جديد ونسق من الجهاد والمثابرة لا قبل للناس بها في هذه البلاد. ذلك الجيل هو جيل عبد الحليم محمد ورفيق دربه المحجوب.
ويجد حليم مكاناً له في نادي الخريجين بأم درمان بعد إكمال السنة الاولى عام 1925 ويقول ( وأخذنا نجهر بالدعوة لآرائنا الجديدة ومثلنا العليا وكانت حرباً على الرجعية واوكار الرجعية ادرنا رحاها في قوة لا تعرف الهوادة. اشتركنا في إدارة نادي الخريجين بأم درمان واعتلى خطباؤنا المنابر وساهمنا في الحركة الفكرية والثقافية وأخذت آراؤنا تجد طريقها الى الاسماع والاذهان).
 

وعبد الحليم محمد أحد مؤسسي جماعة الفجر التي تأسست في نهاية العشرينيات من الخريجين الذين يقطنون في حي الموردة واصدقائهم من أسرة الهاشماب. وكانت تعرف بالموردة والهاشماب. ومن أعضائها أيضاً محمد احمد محجوب وأحمد يوسف هاشم، ويوسف مصطفى التني، ويوسف المامون. وعندما نجح عرفات محمد عبد الله في تأسيس مجلة الفجر عام 1934 جذب معظم أعضاء الجماعة للمشاركة في المجلة وكان عبد الحليم محمد من ابرزهم ونجحت مجلة الفجر في جذب الخريجين من كل الاتجاهات للكتابة فيها. كانت ا لمجلة تسعى لغرس الروح القومي في النفوس وتأكيد الهوية السودانية.
 

يتحدث حليم عن استخدام الفجر منبراً لمحاربة الرجعية في الحكومة والمجتمع ومهاجمة الحزبية ويقول ( نصلي الحزبية وابلاً من اقلامنا ونسلط أنوارنا الكشافة على سدنتها مقضين مضاجعهم مضحين بكل عزيز لدينا في سبيل إعلاء كلمة الحق) وكيف كانت تلك الايام ز هرة العمر التي شعروا فيها بمسئوليتهم الأدبية والاجتماعية والسياسية فبذلوا غاية الجهد لأداء واجبهم ولم يكن هيناً غير عابئين بالجماعات والافراد وإنما كان رائدهم خدمة السودان وسبر غور سياسة حكومة السودان وتوجيه النقد اليها والتوجيه في رجاحة عقل ودقة تعبير. فلم يكن نقدهم مبنياً على العاطفة ولكنه كان نقداً علمياً بانياً والنقد العلمي الباني يخرس الالسن ولا يدع مكاناً للشك.
 

يتطرق عبد الحليم محمد في (موت دنيا) الى حدث سياسي مهم هو توقيع معاهدة 1936 والإفصاح في صفحات مجلة الفجر عن أمانيهم الوطنية وحقهم في التعبير عن مصيرهم. وأن الاتفاق الثنائى لم يقم منذ البداية بين فريقين ساميين متعاقدين مستقلين تمام الاستقلال احدهما عن الآخر بل بين بريطانيا وهى في طليعة الدول الكبرى ومصر وكانت في الواقع تديرها بريطانيا. كان اتفاقاً باطلاً. وأن السودانيين وإن لم تكن لهم وسيلة لإثبات حقهم في سيادة قومية خاصة بهم فما أحراهم على الاقل بأن يرتفعوا عن درجة السلع والسوائم. ولكن هذا لم يرض ساسة مصر وامراءها فرموهم بكل فرية وسددوا السهام المسمومة الى صدورهم. وكفى أن يقال عن أي عمل إنه دسيسة انجليزية فيسقط ذلك العمل مهما جل وخلصت نيات اصحابه. فقد اثاروا عليهم بعض المواطنين وكانت حرباً في الداخل والخارج لم يفزعوا لها ولم يتركوا الميدان فلاقوا عدوهم بسلاح الحق. وما قدر قد كان فقد ابرمت المعاهدة وكان حظ السودان فيها سيئاً.
 

يمثل إبرام المعاهدة مرحلة جديدة في تاريخ السودان السياسي وفي اسهامات حليم السياسية فمن كلمة ( رفاهية السودانيين) التي وردت فيها وغياب تمثيل السودانيين في مفاوضاتها بدأ العمل لتكوين مؤتمر الخريجين. كان عام 1936 كما يذكر عبد الحليم محمد خاتمة البداية وبداية النهاية.
 

ويذهب حليم قبل تكوين المؤتمر الى ود مدني ويقول ( إن جيلنا هذا قد وهب حياته وجهاده للسودان الجديد فإذا اقتضانا الواجب أن نطوف مدنه وقراه وأن نخبر نواحي الحياة المختلفة فيه فلابد لنا ان نفعل) وكان اول ما اخذوا فيه من حديث في واد مدني حديث الحزبية المتأججة في العاصمة المثلثة ويقول ( دخلت عاصمة الجزيرة باكياً وفارقتها باكياً وشتان ما بين البكاءين وتدور الأيام دورتها ويسمع من بالسودان جميعاً أن حملة المشاعل في عاصمة الجزيرة تجاوبت صيحاتهم مع صيحاتنا فدعوا لتكوين مؤتمر الخريجين العام) ويشير حليم الى دورهم في مكافحة الحزبية الدينية ودعوة الخريجين ليتحرروا من قيودها ويكونوا جبهة وطنية تعمل لمصلحة البلاد وتحقيق الآمال. وأن النواة التي تركها في ود مدني وكان يتوقع أن تحدث حدثاً جليلاً في البلاد تنمو وتترعرع وشقت طريقها الى نادي ودمدني في ثوب جماعة أدبية، الى أن استفحل امرها فخرجت على الناس في احدى محاضراتها بفكرة ( مؤتمر الخريجين العام) ووصل الخبر الى مجلة الفجر ونشرت المحاضرة وعلقت عليها. ودعت الناس الى تنفيذ الفكرة فتلقفها نادي الخريجين بام درمان وعقدت جلسات تمهيدية بحثت فيها الفكرة.
 

واخيراً ظهر مؤتمر الخريجين الى الوجود بدستوره المعروف وأغراضه المجملة في كلمة واحدة (مصلحة البلاد عامة والخريجين خاصة) وانتقل حليم من عالم القلم الى عالم الجوانب العملية فكان من مؤسسي مؤتمر الخريجين ومنظميه الاساسيين وانتخب عضواً في الهيئة الستينية من الدورة الاولى وحتى الدورة الثامنة 44/1945. انتخبته الهيئة الستينية عضواً في اللجنة التنفيذية في الدورتين الخامسة41/42 والسابعة 43/44.ولم ينس عبد الحليم القلم فقد كان مساهماً بالكتابة في مجلة المؤتمر وكان عضواً في هيئة تحريرها للأعوام 39/41.
 

كان عبد الحليم محمد عضواً في اللجنة المكونة من اسماعيل الازهري وعبد الله ميرغني وأحمد خير وأحمد يوسف هاشم لصياغة مذكرة المؤتمر في أبريل 1942. وصاغ مع آخرين مذكرة المؤتمر الى الحاكم العام في 6 أكتوبر 1943 بشأن المجلس الاستشاري حيث انتقد المؤتمر استبعاد الجنوب من المجلس الاستشاري. ولكن خلال الدورة السابعة حاول ابراهيم أحمد ومؤيدوه بدون نجاح إلغاء قرار المؤتمر بمقاطعة المجلس الاستشاري. وعندما قدم الاقتراح للتصويت هزم بـ 29 صوتاً مقابل 19 صوتاً كان عبد الحليم محمد من بين الذين صوتوا مع اقتراح إلغاء المقاطعة. وبعد انتخابات نوفمبر 1944 انتهى المؤتمر كمؤسسة قومية وأصبح حزباً واحداً. وكان عبد الحليم محمد اقرب الى جماعة القوميين وتمثل هذه الجماعة التطور السياسي لجماعة الهاشماب أو الفجر وتكونت في اكتوبر 1944. ولم يكن عبد الحليم محمد عضواً في هيئة السكرتارية التي ضمت محمد حمد النيل واحمد يوسف هاشم والسيد الفيل.
 

ظن حليم أ ن المؤتمر سيبعد عن الحزبية الدينية وعلق عليه آمالاً كبيرة فقد قال ( فلنطرح آلامنا عند هذا المؤتمر ولنأتمنه على آمالنا، ولننس عنده ما اصابنا في الماضي من ظلم القريب والصديق وتجني العدو ولنمهد طريقه ليجد الآذان صاغية له والقلوب واعية، ولندع له في الداخل والخارج مبينين موقفه من حكومة البلاد ومن مصر الشقيقة ومن زعماء العشائر ورجال الدين) فهل أحبط حليم عندما لم ينج المؤتمر من الانقسامات ومن الحزبية الدينية إحباطاً جعله ينأى بنفسه عن الحزبية والانخراط في الجبهة التي كانت تنادي بالاستقلال رغم أنه تعاطف معها. أم أن انشغاله المهني منعه ذلك. هذا سؤال نتركه ليجيب عليه الدكتور حليم متعه الله بالصحة والعافية. 


الله أكبر ولله الحمد
إن صلة الدكتور عبد الحليم محمد بالامام عبد الرحمن المهدي لم تكن صلة عادية او عابرة كما لم تكن جديدة فهي صلة تمتد جذورها الى رابطة المهدية العظمى التي جمعت بين الآباء والاجداد في تلك الملحمة التاريخية المجيدة ودائماً ما ينشد الدكتور عبد الحليم نفسه قول امير شعراء السودان الراحل عبد الله محمد البنا:
قد جئتك لا سعياً لرفد أناله فقد رفد المولى وبارك في الرفد
واطريك لا سعياً لقربى جديدة فقد عقد القربى ابي بيد المهدي
 

والدكتور عبد الحليم محمد هو من طليعة جيل المهدية الثالث ذلك الجيل الذي قاد حركة الشباب الانصاري المثقف في باكورة عهد الامام عبد الرحمن المهدي العهد الذي تبلورت فيه النهضة الانصارية الحديثة لتؤدي دورها الفعال في حركتنا الوطنية باسرها. ابان الحكم الثنائي الذي سلب الانصار كل مقدساتهم وبطش بقادتهم وجثم على صدر البلاد بعد ان دخلها قهراً ووطأ على اشلاء الشهداء الذين جادوا بارواحهم سخية دفاعاً عن العقيدة والوطن.

 

ولقد كان جد الدكتور عبد الحليم هو الأمير عبد الحليم مساعد هاشم الرجل الذي كان في مقدمة شهداء الوطن هناك في معركة توشكي اولى معارك الدفاع عن البلاد حيث سقط الى جانب رفيق دربه الجهادي العظيم القائد الفذ الامير عبد الرحمن النجومي امير امراء الراية الحمراء، راية خليفة الكرار الخليفة محمد شريف ولقد سجل القائدان الشهيدان سجلاً رائعاً في معارك المهدية الاولى وانتصاراتها الفريدة التي برز فيها الامير عبد الحليم مساعد ورفاقه بقدرات فائقة وعبقريات نادرة في مسيرة الركب الرباني وانتصاراته المذهلة التي توجت بهزيمة جيش هكس الاسطوري في شيكان وتحرير الخرطوم المحصنة بالخنادق والبحار والمحمية باحدث ادوات السلاح الناري والكيماوي ويقال انه عندما سأل الامام المهدي قادة جيشه في مجلسهم العسكري الاخير ماذا ستفعلون بالخندق الذي حفره غردون؟ فرد عليه الامير عبد الحليم: فقال يا مهدي الله ان هذا الخندق سنردمه باجساد نصف جيشنا ليعبر النصف الآخر لتحرير الخرطوم. واما مصير جيش هكس فيكفي ما قاله احد كبار القادة البريطانيين في برلمانهم «لعل التاريخ لم يشهد منذ ان لاقى جيش فرعون نحبه في البحر الاحمر كارثة مثل تلك التي حلت بجيش هكس في صحاري كردفان حيث افنى عن آخره وقضى عليه قضاءً مبرماً..». 

تلك من انجازات وبصمات القائد الشجاع الباسل الامير عبد الحليم مساعد.
 

ولذا فقد اختار الامام المهدي الامير عبد الحليم مساعد ليكون من كبار امراء حملة ود النجومي لتحرير مصر فدخلوها بالفعل حتى وقفوا وجهاً لوجه امام الجيش البريطاني الذي كان قد احتل الاسكندرية وفرض سيطرته العسكرية على مصر بعد واقعة شيكان مباشرة، ولقد وصف الشاعر المجيد عبد الله البشير تلك الحملة فقال:
 

همومهم رسالة السماء ونشر دين الله في الارجاء
والسير في المحجة البضاء والعدل بالقسطاس للضعفاء حتى قال في عزمهم وتضحيتهم:
مهاجرون ما لهم رجاع مجاهدون ما لهم اطماع
مضوا بلا زاد ولا متاع تكبيرهم تهليلهم ايقاع
وبعد مأساة الاحتلال كان ابناء الشهداء ومن بقى من قادة المهدية يتجرعون مرارات الهزيمة ويقاسون آلام الضياع ويتقلبون في الجمر الخبيث الذي نشره المستعمر لتأمين وجوده واستتباب حكمه اذلالاً لشعب ابي وهدماً لامجاد امة فتية. ولكن الدكتور عبد الحليم محمد وجيله من الاحفاد رضعوا حقائق التاريخ من معينها الاصيل وتفتحت اذهانهم على الواقع الجديد وادركوا ما فيه من الريبة والخداع وما ظهر به من شعارات براقة تخفى من تحتها سموم قاتلة للمآرب والاغراض الاستعمارية، فامتلأت صدورهم رفضاً للواقع الاستعماري الجديد وقد كرهوا وجوده بروحهم وفطرتهم وثورتهم التي تفجرت اقبالاً على ما اتاحه الله من سبل الى العلم والمعرفة والتفقه في العلوم ورضوا بكل ما تيسر من التقدم والتطور الحديث في شتى جوانب الحياة وتسلحوا بالفكر والثقافة والادب حتى ضاهوا في عطائهم علماء المستعمر واساتذته.
 

لقد نشأ الدكتور عبد الحليم في اسرة من اعرق واهم اسر الانصار فاجداده كانوا على صلة بالامام المهدي من قبل المهدية وكان الشيخ محمد احمد هاشم من المشايخ الذين تعلم الامام المهدي على يديهم وكان اخواه الطيب وابو القاسم من المبادرين لمبيايعة الامام وخاضوا معه غمار وكانوا من كبار علماء المهدية وفلاسفتها ورجال دولتها وقادة الفكرة والسياسة والتنظيم في منهجها الذي تطور ايضاً في مراحله الجديدة بمعاونتهم ومن بقى منهم على قيد الحياة، وذلك بعد انقضاء الدولة ليظهر المنهج الجديد المتعايش مع متغيرات الزمن ذلك المنهج الذي رفع لواءه الامام عبد الرحمن المهدي.
 

ولقد كتب الدكتور عبد الحليم «اما السيد عبد الرحمن فقد واصل كفاحه في دعم الحركة الوطنية لكي تكون مكتملة الجوانب اقتصادياً وسياسياً وادبياً وفنياً، بدعم منشآتها وينير طريق دروبها. وكان عليه ان يروض الذين ارتبطوا بالمهدية وحققوا انتصاراتها والرافضين للهزيمة على اتباع سبيله الجديد. وبدأ يضمد جراح الذين اكتوا بظلمها وكان في هزيمتها خلاص لهم ويرأب الصدع ويمد الجسور ويستقطب الطبقة المستنيرة وتقريبها منه» كتاب الاحتفال المئوي صفحة «161».
 

لقد وجد الدكتور عبد الحليم ورفاقه ضالتهم في الامام عبد الرحمن الذي كان بالنسبة لهم الاب الروحي الذي يرمز الى ماضي مجيد وتراث وطني خالد تتمثل فيه العزة والكرامة والمجد التليد ووجدوا فيه بلسماً لشفاء القلوب المجروحة والنفوس المكلومة من جراء الظلم والاستبداد والطغيان وكان الامام عبد الرحمن يهتز لسماع آراء ابناء الانصار المثقفين الذين حافظوا على العهد بعد الدولة وصبروا على الفاقة بعد الصولة وكان يولهم الرعاية الدائمة والعناية الفائقة ويرى فيهم مستقبلاً مشرقاً للسودان وكان لسان حالهم قول الشاعر الكبير ابراهيم عمر الامين.
 

ودادي لهذا البيت لم يك محدثاً ابي عنه نبأني وجدي روى ليا
تبعتك عن ود قديم ورثته فاعجبني المسعى فبايعت ثانيا
ولقد كان الدكتور عبد الحليم محمد صاحب مكانة سامية عند الامام عبد الرحمن الذي احبه غاية الحب وكان من اقرب الناس اليه يتميز بخصوصية نادرة في علاقته بالامام الذي اعجب بتفوقه وصراحته وصدقه وشفافيته وارائه النيرة وحماسه المتدفق وثورته الموروثة وذكائه المتقد ووطنيته الصادقة، ومكانته الاجتماعية والرياضية والعلمية العالية وكان الامام يفخر ويعتز بهذا النبوغ الذي حققه الدكتور عبد الحليم ولقد كان الدكتور من اهم الرجال حول الامام وهو طبيبه الخاص ومستشاره الامين الذي يستطيع ان يراه في اي وقت ويتباحث معه في اي شأن وكانت توكل اليه مهام خطيرة ولقد لعب دوراً بارزاً في تطور الحركة الاستقلالية بموقعه المستقل الفريد ودوره وعطاءه في الحركة الوطنية العامة معروفة ومشهود مما لا شك فيه ان ذلك سيجد مجالاً واسعاً للحديث عنه بهذه المناسبة الطيبة التي يحتفل فيها بعيد الميلاد الخامس والتسعين للدكتور العظيم والنطاسي البارع والسياسي الكبير والوطني الاصيل ورجل الدولة الحازق والرياضي الاول الذي بهر الجميع بخلقه الفاضل وتعامله الراقي وانسانيته الحقة وتجرده الخالص وتواضعه الجم.. الا امد الله في عمر عبد الحليم وبارك في ايامه المديدة وامتعه الله بالصحة والعافية والرضى.. وهنيئاً له ولاسرته ولنا بهذا اليوم المبارك وهنيئاً للسودان كله بامثاله من الرجال.
الفقير اليه تعالى
احمد عبد الرحمن المهدي
بقعة المهدي

تحية الشعر.. إلى د. عبد الحليم محمد


هو الدوحة الفيحاء
الشاعر عبد المجيد حاج الأمين
طربت لهمس الشعر في عيد صاحبي
وما الشعر الا نفثة علوية
لقد طال يا سمراء هجرك والنوى
اراك قطعت الوصل من زمن مضى
فلا العهد فينا مثلما كان زاهراً
اطلت مع الصبح الجميل واشرقت
تسير على خطو وئيد وتنثني
اسمراء يا زهر الخميل تمايلي
يناديك من شرق البلاد وغربها
وتنتظم الافراح اصقاع امتي
هو الدوحة الفيحاء تهدي ظلالها
اطل على «فجر» الحياة يزينها
وطاف بدنيا الفن في ميعة الصبا
تعلق بالآداب يسبر غورها
له قلم ينساب عمقاً ورقة
هو القامة الشماء من كل جانب
«
حليم» اذا ما الحادثات تفاقمت
يحكم فيها العقل والعقل راجح
«
حليم» مع الالهام يلقاه باسماً
«
حليم» مع الانسان في كل وقفة


أتتك حروفي وهي ولهى من الجوى
تموسق اعطافاً وترخي ضفائر
فيالك من وحي جميل أثارني
فأنت اخي انت الطبيب، معلمي
ترقرق من دفق العيون السواكب
تجيش بأعماقي وتزكى مواهبي
وزاد التياعي من صدود الحبائب
وتاهت على بحر التناسي مراكبي
ولا المنتدى يزهو وتحلو ملاعبي
سنا الوعد من بين الدروب الغياهب
كسرب غيوم الغيث بين السحائب
وغنى بالحاني وهزى مضاربي
صدى النغم المسكوب من شدو ضارب
فتسري استباقاً في حشود المواكب
افاويق فكر من طريف وذاهب
برأي حصيف.. مستنير وصائب
وحلق في الآفاق بين الكواكب
ويهدي لها من قلبه نبض حادب
ويسري مضيئاً كالنجوم الثواقب
أتيت، ستلقاه رحيب الجوانب
ودارت علينا من صروف النوائب
وامضى سلاح في قراع الكتائب
ويزجيه سحراً من ضروب العجائب
تُزيل عن الانسان وقع المصائب


تراقص في حلم العذارى الكواعب
وتسخر من كيد العزول المراقب
وذكرني ما خضته من تجارب
تناجيك في شوق طموح الرغائب

 المصدر

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147489150&bk=1