«الصحافة» في حديث الذكريات مع د. عبدالحليم محمد

  

ادورد عطية كان شيوعياً وهاجم الإنجليز ونقل لهم أفكاراً جيدة عن الطلاب
هاجمنا الطائفية لخوفنا من تغولها على الحركة الوطنية
هاجمنا الطائفية لخوفنا من تغولها على الحركة الوطنية
ملف بمناسبة عيد ميلاده
الـ95
عندما يهم الدكتور عبد الحليم محمد بفتح خزانة ذكرياته اليوم فمؤكد ان ذلك يجعلنا نكون بالقرب منه في صالونه الأنيق وسط اوراق وصور الذكريات وهي تنهمر في لحظة تجلي بعد نصف عقد من التجربة الصامدة .. وإن أردنا أن نخرج عليك عزيزي القارئ بحصيلة ما كان لحظة انفجار الذكريات فحتما سنقول لكم انه الدكتور الرياضي ، السياسي رجل المجتمع الفريد عبد الحليم محمد . له ما هو جدير بالتوثيق .
حاوره: د. عبدالله حمدنا الله - الاستاذ/عادل الباز
أحمد خير كان «موتوراً» وقد اشترك في كتابة المذكرة التي يهاجمها
*
د. حليم انتم جماعة قررتم تركبوا الصعب كنتم من جماعة فكرية وثقافية لاترى بأساً من أن تتعامل مع المثقفين بمختلف جنسياتهم مما جعل سهاماً كثيرة تصوَّب نحوكم، احمد خير في كفاح جيل وخضر حمد في مذكراته يأخذا عليكم تعاونكم مع ادورد عطية؟

- اولاً نحن لم نتعاون مع ادورد عطية، ادورد عطية كان مدرساً «لينا» في كلية غردون وجاء سنة 1926م «جابوه» شاب يدرس التاريخ وطلب منه أن يدرس التاريخ باللغة العربية رغم ان لغته ضعيفة وكنا نضحك على ذلك وكان له رأى في كلية غردون، ووجد ان كلية غردون لا تزيد عن كونها مدرسة خاصة بأبناء العظماء. ومثله مثل أي مدرس اهتم بالطلبة النابغين وهو كتب عن معاوية نور وقال عنه انه اصيل في تعليمه وفي نفسه وهو في الواقع اصدقاؤه لم يكونوا محجوب وعبدالحليم وانما كثير من الطلبة النابغين.. ثم عين في مكان خاله صموئيل عطية في مكتب الاتصال وكان يسمى مكتب المخابرات وقد كتب عنه اخو «الكد» وقال ان المقالات التي كانت تكتب في الفجر كانت تكتب في مكتب عطية لكن بشير محمد سعيد قال في كتابه إن ادورد عطية هاجم كلية غردون وشتم الانجليز. هذا هو ادورد عطية الذي يقولون اننا تعاونا معه. فهذا كلام «فارغ» وتجنٍ ولا صحة له والأيام اثبتت ان هؤلاء الشباب لم يتعاونوا معه. وانا قلت للذي كتب في مجلة الخرطوم قائلاً ان كل المقالات التي كتبت في الفجر كانت تكتب في مكتب ادورد عطية، لان مكتب ادورد عطية أكثر وطنية منكم. وادورد نفسه كان شيوعياً وكان ينقل للحكومة الانجليزية الافكار الجيدة عن الطلاب السودانيين وكان يوزع الكتب على الطلبة وكانت كتباًً شيوعية وكنا نعتبره «دبل ايجنت» Double-agent.

 

* من ناحية اخرى انتم جماعة الفجر اخترتم الحركة الاستقلالية وكان كثير من المثقفين يختارون الحركة الاتحادية وبذلك وضعتم انفسكم في الجانب الأضعف في الحركة الفكرية ومن ناحية ثانية انتم في الفجر بدأتم بمهاجمة الطائفية وانتهيتم بالطائفية مع السيد عبدالرحمن كيف ذلك؟

 

- اسمح لي وما تزعل انتم تتحدثون حديثاً لا تعرفون عنه شئ نحن قبل الطائفية كنا نعتقد اننا انشأنا صرحاً للحرية السودانية وأنا فخور جداً بأن اجدادي كلهم لم يكونوا طائفية وأنا جدي قضى عشر سنوات في سجن المهدي وجدي عبدالحليم وابوقرجة هما اللذان اجلا هكس من مكان المياه.
نحن لم نمش مع الطائفية وهاجمنا الطائفية لاسباب اهمها خوفنا من ان تتغول على الحركة الوطنية وليس لانهم غير مخلصين للسودان والسيد عبدالرحمن كان اكثر انسان مخلص للسودان رغم انه كان يهاجم بانه مع الانجليز وقد بدأ ذلك الهجوم عند افتتاح نادي الخريجين عايزني ازيد أم كفاك؟

 

* زيدني عن علاقتك بالسيد عبدالرحمن؟
-
قبلنا كانت هناك جمعية محي الدين جمال وكانت تنادي بالسودان للسودانيين وكان اسمها.....
=
المحاور مقاطعاً=
اسمها الاتحاد السوداني.
وهذه الجمعية تخرجوا منها الناس الذين أسسوا جمعية اللواء الابيض وانتم اعلم بالتاريخ.
*
المحاور: انا عاوز أثيرك..
-
لا ما عايز تثيرني لكن تريد ان تردد الكلام الذي يقوله الجهلاء.
هذه الجمعية تخرج منها عبدالله خليل وعبيد حاج الامين وتخرج منها الذين كانوا يدعون لمصر مثل محي الدين جمال.
*
نريد منك اضاءة لعلاقتك بالسيد عبدالرحمن؟
-
انا عندما كنت صغيراً كنت اجد الانصار في منزلنا مع والدي، والسيد عبدالرحمن اول من انشأ صحيفة في السودان.
*
د. عبدالحليم انت احد الاشخاص الذين كتبوا مذكرة مؤتمر الخريجين اول مذكرة تطالب بحق تقرير المصير للسودان في العام 1942م القى لنا الضوء على المذكرة وما نتائجها بعد ذلك؟

 

- كان يوم نحن منتظرين في منزل محمد ابراهيم هاشم وهو الآن دار حزب الأمة وكنا نتناول وجبة الغداء لنذهب عند الساعة الرابعة للانتخابات فجاءنا الاستاذ محمد عثمان ميرغني ونادى احمد يوسف وقال له «الورقة دي» فيها اللجنة التي انتخبت الناس المجتمعين في بيت السيد عبدالله، قالوا عايزنكم تصوتوا معاهم فجاءنا يضحك.. فقال قلت له: نحن لا عبيدك ولا عبيد السيد عبدالرحمن واذا كنتم تعتقدون اننا مهمين فمن المفترض ان تشركونا معكم، وقول للسيد عبدالله نحن ما حا نصوت معكم فطلبنا منه ألا ينفعل فقال لنا انا حا اعمل لجنة لوحدي فخرج مننا وقابل اولاد ابوروف واللجنة عملها احمد يوسف وكانت العلاقة بين هذه اللجنة والسيد عبدالله الفاضل فاترة. اللجنة معظم الاعضاء فيها من غير مجموعة ازهري وكان رئيسها ابراهيم احمد، وفي اليوم الذي قررنا فيه رفع المذكرة كنا في منزل محمد علي شوقي وكنا نقيم حفلة وداع ابراهيم يوسف سليمان المنقول الى القضارف وكان محمد علي شوقي يكره اولاد ابوروف لكنه اصر ان يكون تكريم ابراهيم يوسف سليمان في منزله. فجاءنا احمد يوسف واسماعيل العتباني بعد اجتماع طويل في مكتب ادورد عطية وكان الانجليز يودون نقله ليحارب في العلمين. وقال لنا احمد يوسف انتو قاعدين هنا وبعدين حا تقولوا للشعب السوداني شنو لما يقولوا ليكم انتو خليتوا اولادنا يمشوا يموتوا. وقال نحن نعمل مذكرة وانتخبوا الناس الحا يكتبوا المذكرة في ذلك المكان وكان فيها اسماعيل الازهري وابراهيم احمد واحمد خير وعبدالحليم محمد واحمد يوسف وكانت الاجتماعات اغلبها في منزلنا ولم تكن في منزل ازهري وكانت المذكرة التي رأيتها، واحمد خير كان من الناس البيكتبوا فيها ويشهد انها لم تكتب في مكتب ادورد عطية، وطالبت المذكرة بعد تقرير المصير بمجلس يسن القوانين ويراقب الميزانية فهل يعقل ان تكون هذه مطالب يكتبها الانجليز؟

 

وهذه المذكرة رغم اشتراكنا جميعاً فيها لكن كتبها في النهاية المرحوم احمد يوسف هاشم، واحمد خير حينما كتبت ما كتب كان موتوراًً، وهو حينما تحقق الاستقلال عمل مع مجموعة الاتحاديين التي كانت ترى الآخرين لم يحققوا الاتحاد مع مصر.

 

* ما هى اسباب استقالتك من مجلس السيادة بعد اكتوبر؟
-
اسباب كثيرة لا اذكرها
*
هل صحيح انك تفرغت للرياضة؟
-
انتو «بتنططوا» من حتة لي حتة.. انا استقلت لاسباب ليس من الضروري ان اذكرها.
*
اذكر بعضها للتاريخ؟
-
يا أخي انا ما عايز اقعد في مجلس جابوا فيه ازهري رئيس ورئيس دائم، وما في داعي تجيب خمسة ناس يقعدوا معاهو لا داعي لذلك.

 

* لماذا قبلت التعيين منذ البداية؟
-
كان المحجوب يرى ان رئيس مجلس السيادة غير رئيس مجلس الوزراء وليس من حقه ان يحضر اجتماعات مجلس الوزراء عموماً كانت هناك لخبطة شديدة يمارسها البعض على المحجوب وانا قلت لمحجوب هؤلاء الناس بضللوك، وكان الازهري يرى ان قرار مجلس السيادة غير ملزم له لان هناك اتفاقاًً سياسياً بينه وبين حزب الامة ولذلك فان بقاءنا في المجلس اصبح لا لزوم له.

 

* الاسئلة منوعة لان د. عبدالحليم متنوع.. انتم الذين «سودنتم» اتحاد كرة القدم السوداني وانضمام الاتحاد الى الفيفا في بداية الامر وجد معارضة حدثنا عن ذلك؟

 

- اتحاد كرة القدم كونوه الانجليز وفتحوا بيت الامانة وعملوا كأس الحاكم العام. وادورد عطية كان يلعب في تيم عباس الذي اصبح فيما بعد فريق الهلال. وعندما عاد للسودان كان يسأل عن حسين كديس لانه صديقه الذي كان يلعب معه الكورة.. ما كنت بلعب كورة ومعى ابراهيم يوسف سليمان وكان ملعب بيت الامانة جوار منزلنا وعندما يصاب احد اللعيبة كنت اسعفه، فرأى الانجليز هذا الشاب الهزيل فسألوا عني فاخبروهم بانني أول طالب سوداني نجح بامتياز في الطب، ولذلك اعطوني تذكرة مجاناً وكان الاتحاد يكوِّنه الحاكم العام، وكان رئيسه مدير الخرطوم، وكان الاساس هو اتحاد الخرطوم ثم اضيف اليه اتحاد مدني وكانت في تلك الايام السودنة فطالب الرياضيون الحاكم العام بسودنة الكورة فوافق لهم وانتخبوني انا وكانوا عايزين ينتخبوا محمد عامر بشير لكن غيروا رأيهم وانتخبوني انا وكان هذا في العام 1953م. وقبل ان ينتخبوني كان السودان عضواً في الفيفا.

 

انا حينما ذهبت للفيفا كانت معي مصر وجنوب افريقيا واثيوبيا وتمت الموافقة ان يكون لأفريقيا عضو باللجنة التنفيذية بعد رفض من البرازيل، وكنا موجودين نحن والمصريون وطلب منا ان نجتمع نحن وكان الاجتماع الثاني في البرتغال وكونا الاتحاد الافريقي لكرة القدم وقلنا ان اول اجتماع له يكون سنة 1957م في الخرطوم ليضع الدستور ووافق المجتمعون ان تقام مباراة في الخرطوم لأننا انشأنا استاداً وكانت اول منافسة في الخرطوم ضمت الدول الاربع السودان، ومصر، واثيوبيا وجنوب افريقيا. وافتتح استاد الخرطوم رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح المغربي.. وقال لنا ممثل جنوب افريقيا إن حكومته طلبت منه ان يكون الفريق الذي يلعب اما اسود خالص أو ابيض خالص، فرفضنا ذلك فلم يحضروا فريقاً فكانت المنافسة بين ثلاثة فرق، والسودان نصيبه وقع مع جنوب افريقيا.

 

* انت عاصرت الجيل الاول والاجيال من بعده ماهو تقييمك لمسيرة السودان؟
-
مش حا اجاوب.
*
انت ملك للاجيال القادمة ولست ملكاًً لنفسك؟
-
ياعزيزي الفاضل هذا السؤال ليس له معنى وانا مش حا ارد عليك.
*
انت شاهد لأكثر من عصر ماهى الحكمة التي خرجت بها.. ماهى شهادتك على العصر؟

 

- العصر ياتو.
*
جدك كان في المهدية ووالدك كان في جمعية الاتحاد كيف اعدت انت العلاقة مع السيد عبدالرحمن؟
-
هو يعني الفى جمعية الاتحاد ليس مع السيد عبدالرحمن.
*
جمعية الاتحاد هذه كانت مصرية؟
-
فعقَّب ضاحكاً كان عبدالله خليل مصرياً في ذاك الوقت والشنقيطي كان مصرياً حتى ابراهيم العبادي كان مصرياً والامير محمد عبدالرحمن نقد الله كان في جمعية الاتحاد. فما قولك؟

 

- طيب ما انا ابوي كان في جمعية الاتحاد ودخل جمعية اللواء الابيض وعلاقتي بالسيد عبدالرحمن انه كان يزورنا وعندما يسأله احد عن الانصار الذين نصروا ابوه كان يرسل لعمي وفي كلية غردون عندما اختاروا المهندسين ولم يختاروني ذهبت مع عمي للسيد عبدالرحمن فكتب لي السيد عبدالرحمن خطاباً للكلية حتى يقبلوني في الهندسة لكنني لم اقدم هذه الورقة للكلية، ولذلك لم اصبح مهندساً، والسيد عبدالرحمن حكى لى قصته منذ ان قتل اهله في الشكابة وكنت اقرأ سورة الضحى اجدها تنطبق على السيد عبدالرحمن، وحضرت معه الصلاة وعندما قرأ سورة الضحى بكينا جميعاً.. والسيد عبدالرحمن استدعوه في العام 1916م وقالوا له عايزنك تحارب معنا الترك الذين حاربهم والدك فقال لهم موافق لكن «روبنسن» قال ان السيد عبدالرحمن طلب أكثر مما كانوا يتوقعون طلب السودان بتاع أبوه.
 

* حدثنا عن علاقتك بمحجوب؟
-
يا أخي فترنا تعال مرة تانية.

المصدر

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147489149&bk=1